ديون مؤسسات عالمية كبرى تقفز إلى رقم قياسي لتلامس 8 تريليونات دولار
قفزت ديون مؤسسات وشركات عالمية إلى مستوى قياسي مسجلة نحو 8 تريليونات دولار خلال العام الجاري، بفعل التسابق المحموم للاستفادة من تجاوز طلبات المستثمرين للخطوط الحمراء؛ ما دفعها إلى الإسراع في خطط الاستدانة.
وذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن إصدار السندات المؤسسية والقروض ذات الرفع المالي قفزت بأكثر من ثلث ما تحقق في عام 2023؛ لتصل إلى 7.93 تريليون دولار، بفعل إقدام شركات كبرى مثل "آب فاي" و"هوم ديبوت" على الاستفادة من انخفاض كلفة الاستدانة إلى أدنى مستوياتها منذ عقود مقارنة بالدين الحكومي.
وقالت الصحيفة - نقلاً عن بيانات نشرتها شركة "إل.إس.إي.جي." الأمريكية البريطانية، المتخصصة في توفير بيانات السوق المالية والبنية التحتية عالمياً - إن الارتفاع الحاد في نشاط الاستدانة تجاوز الذروة التي وصلت إليها المؤسسات في عام 2021، بفعل ازدياد الطلب القوي من المستثمرين، الذي أسهم في تقليص تكاليف الاقتراض المؤسسي حتى قبل أن يشرع مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي وغيره من البنوك المركزية في خفض معدلات الفائدة الرئيسية من الارتفاعات التي ظلت مهيمنة لعقود.
ويقول رئيس قسم ديون أسواق رأس المال، في "سيتي جروب"، جون ماكولي، "إن محركات السوق تعمل بكامل طاقتها، ويتبقى النزر القليل".
ويرى مصرفيون أن تكاليف التمويل الزهيدة - على الأقل قياساً بالسندات الحكومية الآمنة - أقنعت بالفعل الشركات بأن تدفع للأمام إصداراتها لتلافي أي ارتباكات أو اضطراب قد تنشأ جراء الانتخابات الأمريكية لكن عندما انتشر ضيق الهوامش في الأسعار بفعل فوز ترامب في الانتخابات، بعض تلك الشركات قررت حجز متطلباتها من الاستدانة اللازمة للعام المقبل، أيضاً.
ويقول المدير المشارك لقسم الدخل الثابت للأسواق الرأسمالية في مؤسسة "مورجان ستانلي"، تامي سيربيي، "فعلياً، كان الأمر بمنزلة دعونا نفكك مخطر تمويلاتنا لهذا العام، ومن ثم كانت الظروف الواقعية تبدو أكثر جاذبية، لنقول لماذا لا نندفع للأمام نحو (متطلبات) عام 2025 أيضاً؟".
وقامت مجموعة "آب فاي" الدوائية العملاقة بجمع أموال بلغت 15 مليار دولار من الاستثمار في بيع سندات في فبراير للمساعدة في الاستحواذ على شركتي "إيميونجين" و"سيرفيل" المتخصصتين في الصناعات الدوائية، فيما شهد السوق إصدارات كبيرة في عام 2024، تضمنت شركات "سيسكو سيستمز"، و "بريستول مايرز سكويب" التابعة لمجموعة "فارما جروب"، ومجموعة "بوينج" المصنعة للطائرات المحاصرة بالديون، وشركة "هوم ديبوت" لتجارة التجزئة.
وانكمشت فروق الهوامش الاستثمارية في فئة السندات إلى أقل من 0.77 % في أعقاب الانتخابات، وهي أضيق فجوة سجلت منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، حسبما أشارت بيانات "بنك أوف أمريكا".. وأخذت منذ ذلك في الاتساع نسبياً، اتسعت الفروق على سندات المؤسسات ذات العوائد المرتفعة بشكل أكبر منذ منتصف نوفمبر، لكنها بقيت الأقل منذ أدنى مستويات لها قبل 17 عاماً.
وحسب تقارير "بنك أوف أمريكا"، فعلى الرغم من ضيق هوامش الفائدة، فإن تكاليف الاستدانة بقيت تتصاعد بسبب مستوى العوائد على أذون الخزانة الأمريكية، بعوائد على الاستثمار في فئة ديون المؤسسات عند مستوى 5.4 %، مقارنة بـ2.4 % منذ ثلاث سنوات مضت.
وتقول بيانات منصة "إي بي إف آر"، الرائدة في رصد تدفقات الأموال عبر المناطق الجغرافية، والقطاعات، والصناعات، والأذون المالية، في أرجاء العالم، "إن تلك الشركات ذات العوائد المرتفعة نسبياً على صعيد الدين المؤسسي، جذبت تدفقات ضخمة، وأنفق المستثمرون ما يقرب من 170 مليار دولار داخل تمويلات السندات المؤسسية عالمياً في عام 2024، وهو المستوى الأعلى في التاريخ منذ رصد وتتبع ذلك المؤشر.
ويقول رئيس قسم فئة الاستثمار المجمع، في "بنك أوف أمريكا"، دان ميد، لقد كان هذا العام الأكثر انشغالاً بعمليات الاقتراض الدولارية ذات الفئة المرتفعة، بعد استبعاد عام 2020، حين تسببت جائحة "كوفيد-19" في إشعال حمى إصدار مثل تلك القروض.
ورغم اعتبار 2024، عام "كنز إصدارات" القروض والاستدانة، فقد توقع مصرفيون استمرار قوة الدفع لعمليات الاستدانة خلال العام المقبل، بسبب لجوء الشركات إلى إعادة تمويل موجة من الديون الرخيصة التي ضمنوها خلال فترة الجائحة.
من جانبه، يتوقع المدير المشارك لقسم تمويل الاستثمارات العالمية المتميزة في "جي بي مورجان"، مارك باجنيرز، "أن تبقى الحيوية مستمرة" خلال العام المقبل، لكنه سلط الضوء أيضاً على ما وصفه بـ"البطاقة الجامحة" لـ"إمكانية حدوث المزيد، والأوسع نطاقاً وقيمةً، من تمويلات الديون (عبر الاندماجات والاستحواذات)."
لكن بعض المصرفيين حذروا من أن حمى الاستدانة المؤسسية ربما تمنى بتباطؤ إذا اتسعت هوامس الفوائد بصورة كبيرة عن مستوياتها الراهنة.