شهدت مصر في الفترة من 4 إلى 8 نوفمبر 2024 فعاليات الدورة الثانية عشرة من المنتدى الحضري العالمي (WUF12)، الذي يعد من أبرز المؤتمرات الدولية المتخصصة في قضايا التمدن المستدام وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وجاءت هذه الدورة بمشاركة واسعة من ممثلين من مختلف الدول والمنظمات الدولية، حيث تم مناقشة التحديات والفرص المرتبطة بالنمو الحضري المستدام في مختلف أنحاء العالم.
“مدن الحدائق”: نموذج مستدام للتمدن في المستقبل
في إطار فعاليات المنتدى، نظمت كل من منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat)، منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، مركز بحوث مؤشر مدن الحدائق الصيني، و بلدية مدينة ساو باولو البرازيلية، فعالية بعنوان “تمكين مدن الحدائق”، التي ركزت على تسليط الضوء على مفهوم “مدن الحدائق” كأحد النماذج الرئيسية في التنمية الحضرية المستدامة. يهدف هذا النموذج إلى دمج المساحات الخضراء والتصميم البيئي في النسيج الحضري للمدن بما يتماشى مع الأهداف العالمية للتنمية المستدامة.
أصل مفهوم “مدينة الحدائق”
يعود مفهوم “مدينة الحدائق” إلى مدينة تشنغدو الصينية، التي اعتمدت فلسفة التمدن المستدام المبني على “التعلم من الطبيعة”، وهو مبدأ يشدد على أهمية تكامل البيئة مع النمو الحضري. هذا المفهوم تم تبنيه من قبل العديد من المدن الكبرى حول العالم، مثل لندن و شنغهاي و أديلايد، حيث تحول إلى توجه رئيسي نحو تحقيق التحول الحضري المستدام.
نموذج “مدينة الحدائق” وأهداف التنمية المستدامة
خلال الفعالية، أكد خوسيه تشونج، رئيس برنامج الفضاء العام العالمي في منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، أن مدن الحدائق تمثل نموذجًا مثاليًا لتطبيق أهداف التنمية المستدامة على أرض الواقع. وأوضح أن هذا النموذج يعكس فلسفة التمدن المستدام التي طبقتها الصين على مدار العقود الماضية، ويتيح للمدن حول العالم فرصة للاستفادة من تجربة الصين واستكشاف مسارات جديدة نحو التنمية المستدامة.
التركيز على خمسة مجالات أساسية
نان شي، نائب رئيس الجمعية الدولية لمخططي المدن (ISOCARP)، أشار إلى أن مدن الحدائق تركز على تحسين خمس مجالات رئيسية، وهي:
البيئة: تعزيز المساحات الخضراء والمحافظة على الموارد الطبيعية.
السكن: تقديم حلول سكنية مستدامة ومناسبة لجميع شرائح المجتمع.
الاقتصاد: تطوير اقتصادات مستدامة توازن بين النمو والتحديات البيئية.
الثقافة: الحفاظ على الهوية الثقافية للمدن مع تعزيز التنوع الثقافي.
الحوكمة: تحسين إدارة المدن من خلال تطبيق نماذج حوكمة شفافة ومستدامة.
مؤشر مدن الحدائق: أداة لتقييم الأداء المستدام
في خطوة هامة، تم تقديم “مؤشر مدن الحدائق” لأول مرة في المنتدى، وهو أداة تقييم علمية طورتها الصين بشكل مستقل لقياس مدى نجاح المدن في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. يعتمد هذا المؤشر على تقييم شامل للمدن في المجالات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، ويعكس جهود المدن في تحقيق التوازن بين التوسع العمراني وحماية البيئة. وقد تم تطبيق هذا المؤشر بشكل تجريبي في 337 مدينة صينية، ما يجعله مرجعًا مهمًا للبلدان التي تسعى لتحقيق التنمية المستدامة.
أهمية المساحات الخضراء في تحسين الحياة الحضرية
أكد رودريغو رافينا، أمين عام أمانة بلدية ساو باولو للبيئة والمساحات الخضراء، أن مدن الحدائق تساهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين من خلال توسيع استخدام المساحات الخضراء العامة. وأضاف أن هذه المبادرة تتماشى مع رؤية إدارة المدينة في تعزيز رفاهية السكان، وهو ما يساهم في تقليل التلوث وتحسين الصحة العامة. وتابع رافينا أن مدينة ساو باولو تتطلع إلى التعاون مع مدن أخرى حول العالم لتطوير استراتيجيات مستدامة ومرنة للتعامل مع التحديات المستقبلية.
الدعوة للعمل لتسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة
في ختام الفعالية، شدد المشاركون على ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة خلال السنوات المقبلة لتسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. وأكدوا أن نموذج “مدينة الحدائق” يمكن أن يكون محركًا رئيسيًا لتحقيق هذه الأهداف، بما يضمن عدم ترك أي شخص أو مكان وراء الركب في عملية التحول الحضري المستدام.