تشهد المنطقة تداعيات خطيرة جراء الحرب الدائرة في غزة، والتي امتدت لتطال اقتصادات دول الجوار، وتضرب مفاصلها الحيوية، لاسيما بعد اتساع رقعة الحرب.
وبدأ الصراع يأخذ منحى متزايد التأثير، حيث تبدو الدول المجاورة متضررة من هذه الأزمة المستمرة، مما يضع عديدًا من اقتصاداتها أمام تحديات غير مسبوقة.
تضرر اقتصاد فلسطين
الاقتصاد الفلسطيني هو أكثر المتأثرين من الحرب في غزة بشكل مباشر، فقد دُمرت البنية التحتية بصورة كبيرة، مما جعل إعادة الإعمار ضرورة عاجلة تتطلب جهودًا دولية ضخمة.
الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني تضرر بشدة، ما يعكس بشكل واضح التراجع الكبير للأنشطة الاقتصادية وتدهور الخدمات الأساسية، ويترافق هذا مع توقف حركة التجارة وتدهور الشرايين الاقتصادية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، في ظل سياسات الحصار والعزل الاقتصادي التي تزيد من معاناة الفلسطينيين.
لبنان وسوريا على حافة الهاوية
أما في لبنان، فالوضع الاقتصادي كان هشًا أصلاً حتى قبل اندلاع الحرب في غزة، إلا أن استمرار الصراع في المنطقة يزيد من هشاشة الوضع ويضع الاقتصاد اللبناني على حافة الهاوية، لا سيما بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة.
وكذلك الحال في سوريا التي تعيش وضعًا اقتصاديًا بالغ الصعوبة، حيث تسببت سنوات من الحرب الداخلية في استنزاف قدرات البلاد الاقتصادية.
تداعيات الحرب تصل مصر والأردن
تطال التبعات الاقتصادية للحرب، بلدان أخرى مثل مصر والأردن، فالقاهرة تعرضت فيها قناة السويس لتراجع في الإيرادات نتيجة التوترات البحرية في البحر الأحمر وباب المندب.
والأردن كدولة مجاورة للصراع في غزة، يواجه تحديات اقتصادية تضغط على بنيته المالية، كما أن التقارب الجغرافي مع مناطق الصراع يجعل الأردن معرضًا بشكل كبير للتداعيات الاقتصادية.
إسرائيل تدفع الفاتورة
تدفع إسرائيل فاتورة آلة الحرب، إذ لم تسلم من التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب، فقطاع السياحة تلقى ضربة قاسية جراء تراجع عدد السياح وتقلص الأنشطة السياحية، كما عانى قطاعا العقارات والصناعة من تأثيرات ملحوظة، إلى جانب القطاع التكنولوجي الذي شهد تراجعًا نتيجة تزايد المخاوف والتوترات الأمنية.
يأتي ذلك في وقت يؤدي فيه تزايد الإنفاق العسكري والضغط على الموازنة العامة إلى ارتفاع العجز والمديونية، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية المستقبلية ويعمق الأزمات الداخلية.
وتعليقًا على ذلك، قال مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، الدكتور مصطفى أبو زيد، إن هناك تداعيات كارثية وسلبية للغاية على الاقتصاد الفلسطيني، حيث فقد الاقتصاد ما يقرب من 97 بالمئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي بقيمة تُقدَّر بـ18.5 مليار دولار.
وذكر في تصريحات صحفية، أنه بالنسبة للوضع الاقتصادي في لبنان، فإن بيروت تعاني بالأساس منذ سنوات من أزمة مالية خانقة أدت إلى انهيار كبير في العملة الوطنية، حيث فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها، مما أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين.
وفيما يتعلق بالاقتصاد السوري، أشار أبو زيد إلى أن الحرب المستمرة منذ سنوات قد استنزفت الاقتصاد السوري بشكل كبير، موضحًا أن الليرة السورية فقدت قيمتها بالكامل تقريباً، إذ كانت تتداول قبل الحرب عند مستوى 47 ليرة للدولار، في حين يتراوح السعر حاليًا بين 12.5 ألف ليرة (رسمياً) و14.5 ألف ليرة (غير رسمي).
وشدد أبو زيد على أن استمرار الحرب والتوترات في المنطقة سيسهم بشكل مباشر في تفاقم الانهيار الاقتصادي في فلسطين، لبنان، وسوريا، مشيرًا إلى أن هذه الدول بحاجة ماسة إلى دعم مالي دولي كبير لإعادة الإعمار، بجانب تنفيذ برامج إصلاح اقتصادي قادرة على استعادة مسار النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار.
وفي ذات السياق، أوضح مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، أبو بكر الديب، أن الحرب الدائرة حاليًا بين حزب الله وإسرائيل، التي تُعتبر امتدادًا للحرب الإسرائيلية في غزة منذ حوالي عام، تحمل تأثيرًا سلبيًا على اقتصادات الدول المجاورة، ومن المتوقع أن تتفاقم تداعياتها على منطقة الشرق الأوسط وربما العالم إذا استمرت على نحو أوسع.
وأشار إلى أن منطقة الشرق الأوسط تُعد معبرًا مهمًا لحوالي 45 بالمئة من حجم التجارة العالمية عبر المحيط الهندي، كما يدخل من باب المندب 12 بالمئة من هذه التجارة، ويمر عبر قناة السويس حوالي 30 بالمئة من حركة الحاويات و10 بالمئة من النفط المنقول بحراً، إضافة إلى 8 بالمئة من الغاز.
وأكد الديب أن تعثر حركة الملاحة يعني تضرر سلاسل الإمدادات وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مما قد يدفع بعض السفن للمرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما يستغرق وقتًا أطول وتكاليف أكبر، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد الخام على الدول الأوروبية وزيادة معدلات التضخم فيها.
واختتم بأن الحرب الإسرائيلية المستمرة ضد عدة أطراف تتسبب في هزة اقتصادية للدول المجاورة، مما يزيد الضغوط على التضخم وأسعار العملة الوطنية، محذرًا من أنه في حال توسع الحرب واشتدت وتيرتها، فإن التداعيات الاقتصادية ستكون كارثية، ولن تقتصر على دول الجوار فحسب، بل ستمتد لتؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل أوسع.