في أي لحظة الآن قد تمر بالقرب منك طائرة تكتظ بالركاب الذين يسافرون لقضاء العطلة، تاركة وراءها أعمدة رفيعة وخافتة من بخار العادم، وذكريات حقبة كوفيد-19 التي تبدو الآن وكأنها كابوس.
فالعالم يعود للطيران مجدداً. وفي الربع الثالث من هذا العام، يُنتظر أن تحلق في السماء 10.5 مليون رحلة جوية، وفق بيانات القطاع التي جمعتها “بلومبرغ إن إي إف”.
كما يتوقع “الاتحاد الدولي للنقل الجوي – إياتا” أن تسجل أعداد المسافرين مستوى قياسياً هذا العام، وأن تستخدم الطائرات كمية قياسية من الوقود وتكون ممتلئة بالركاب تقريباً كما كانت قبل حقبة الوباء.
أما أنصار البيئة فإنهم سيستقبلون هذا الاتجاه بحالة من الفزع والاستياء لما سيصاحبه من زيادة كبيرة في انبعاثات الكربون وتسجيل علامة أخرى في انتعاش حركة السياحة.
غير أن هذا الانتعاش يمثل دفعة للأمام تستحق الترحيب والاحتفاء بالنسبة لقطاع النفط. بعدما اضطرت منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك” وحلفائها إلى الحفاظ على انخفاض مخطط له في معروض النفط منذ الأيام الأولى لانتشار الفيروس. وتعرض استهلاك وقود الطائرات لضربة أشد عنفاً وأطول أمداً من أي منتج آخر من منتجات البترول المنتشرة.
قال يوجين ليندل، رئيس قسم منتجات التكرير في شركة “إف جي إي” (FGE) الاستشارية في القطاع: “عاد الناس مرة أخرى إلى السفر بأعداد أكبر، ونفضوا عن كاهلهم ذكريات سنوات انتشار الوباء”.
نمو حركة السفر الدولي
رحلات السفر الدولية هي التي يُنتظر أن تشهد أكبر صعود في النشاط. فتلك الرحلات ستحقق نمواً بنسبة 9.7% خلال العام الجاري وسط زيادة هائلة في حركة السفر في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية. ويُنتظر أن تقفز الرحلات الدولية المنطلقة من آسيا بنسبة 23%، كما ستشهد زيادة كبيرة في كل مكان حول العالم.
ففي سنغافورة، وهي نقطة ربط أخرى في الطريق بين آسيا والغرب، تجاوزت أعداد المسافرين في مطار شانغي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2024 مستوى عام 2019، مسجلة 16.5 مليون مسافر.
وكشف الطلب المكبوت أن الصين هي الوجهة الأولى التي يأتي منها زوار المطار خلال هذه الفترة بعد تطبيق برنامج الإعفاء لمدة 30 يوماً من تأشيرة الدخول بين البلدين.
كما انعكس ذلك في زيادة عدد المسافرين بوتيرة قياسية بالمراكز الرئيسية للرحلات الطويلة في آسيا والشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، سجل مطار دبي الدولي أعلى المواسم نشاطاً في تاريخه من حيث عدد المسافرين خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، مستقبلاً 23 مليون زائر. ويتوقع الرئيس التنفيذي للمطار استقبال عدد قياسي يصل إلى 91 مليون زائر حتى نهاية 2024.
الرحلات القصيرة تقود انتعاش الطيران
مع ذلك، فإن المسافات القصيرة في الحقيقة هي التي تقود انتعاش حركة الطيران، وذلك وفقاً لسيمون وارن، المحلل لدى “فيتول غروب” (Vitol Group)، كبرى الشركات المستقلة لتداول النفط في العالم، حيث يتوقع أن يرتفع الطلب على وقود الطائرات بمقدار 650 ألف برميل يومياً في العام الجاري.
قال وارن: “عاد الطلب العالمي على وقود الطائرات حالياً إلى مستوى ما قبل كوفيد لأول مرة منذ عام 2020. وقاد قطاع الرحلات القصيرة معظم هذا الانتعاش. ويعتبر وقود الطائرات أحد المنتجات الأساسية التي تحرك نمو الطلب الإجمالي على النفط”.